الدين و الروحانياتالناس و المجتمع

من علامات السعداء ابتغاؤهم ثناء الناس بعبادتهم

من علامات السعداء هو أنهم يسعون للحصول على تقدير الناس لعباداتهم. هل هذه العبارة صحيحة أم خاطئة؟ هذا السؤال يتم تداوله بكثرة في الآونة الأخيرة، ويعود ذلك إلى أن العديد من المسلمين للأسف لا يتعبدون من أجل إرضاء الناس، بل يتعبدون ويجتهدون في العبادة طمعا في الحصول على إشادة الآخرين. ستتعمق الفقرات القادمة في هذا المقال عبر موقعنا، لتقديم المصطلح الفقهي لتلك الأشخاص الذين يتعبدون من أجل تقدير الناس وليس لإرضاء الله عز وجل.

من علامات السعداء ابتغاؤهم ثناء الناس بعبادتهم

قبل الإجابة على هذا السؤال، يجب أن نتأكد من مصداقيته وصحته من الأساس. لذلك، يجب علينا أن نتساءل عن الحكمة وراء خلق الخلق. إجابة هذا السؤال تكمن في قول الله تعالى في سورة الذاريات الآية 56: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.

هذا هو السبب الذي خلقه الله لنا، ففي آية البينة رقم 5 أشار الله إلى أنه أمرنا بعبادته وعدم الشرك به، وأن نكون مخلصين له، وأن نقيم الصلاة ونؤدي الزكاة، وهذا هو الدين العادل والقائم، ولهذا فإن الإجابة على السؤال هي:

  • تعتبر المقولة السابقة خاطئة تماما من كل الجوانب الدينية والدنيوية، حيث يعرف الشرع العبادة بغرض الحصول على رضا الناس وإشادتهم وتقديرهم بناء على عبادتهم تحت مصطلح الرياء.
  • كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرياء في حديثه الشريف “عندما كنا نتذاكر المسيح الدجال، خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال: ألا أخبركم بأكثر ما يخيفني من المسيح الدجال؟ فقلنا: بالطبع، يا رسول الله. فقال: الشرك الخفي: عندما يقوم الرجل بالصلاة ويزيد في عدد صلواته بسبب ما يراه من نظر رجل.
  • هذا الحديث المروي عن أبو سعد الخدري، وأحدثه الألباني، وحكمه يعتبر حسنا.

ما هو الرياء

  • يعرف الرياء بأنه أداء العبادات والفروض التي فرضها الله عز وجل بهدف ظهور الشخص كمتعبد قريب من الله أمام الناس. الهدف من أداء هذه الفرائض هو أن يعتبره الناس عابدا وأن يثنوا عليه بالثناء والمديح، وليس للرضا من الله عز وجل، بل لإرضاء الناس.

حكم الرياء في الإسلام

في حالة ربط العبادات بظاهرة الرياء، يختلف حكمها عن الحكم الطبيعي، وذلك وفقا لمعايير العبادة وتفاصيلها، وبناء على ذلك، يأتي حكم ربط الرياء بالعبادة على النحو التالي:

  • أساس الرياء هو النية، فإذا كانت نية العبد هي التعبد لكي يقال عنه عابد، فإن هذه العبادة باطلة ولا علاقة لها بالصحة.
  • أما إذا أصاب الرياء العبد بعد أن ينتهي من عبادته، ففي هذه الحالة أشار الفقهاء إلى أن عبادته صحيحة ولا يعتبر بطلانا.
  • إذا بدأ العبد العبادة تطلعا لمرضاة الله وتأثرت بالرياء أثناء العبادة، يعتبر صلاح العبادة باطلا بناء على أحد الأساسين وهما:
    • الحالة الأولي : أول العبادة التي لا يرتبط بأخرها، يكون الأول منها الذي كان خالصا لوجه الله صحيحا مقبولا بأمر الله، أما الجزء الثاني الذي يظهر فيه الناس باطلا، مثل أن يصلي الإنسان فرضا يبتغي فيه مرضاة الله، ولكن يصلي نوافله بسبب الرياء الذي تسلل إليه، فتكون صلاته الفرض صحيحة ولكن صلاته النوافل تبطل.
    • الحالة الثانية : ويجب أن يتوفر في الفرد شرط من بين اثنين، وهما:
      • الأول : أن يعادي النفاق ويكرهه ولا يقوم به، فلا تبطل صلاته، فقد قال رسول الله في حديثه: “إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم به”، وهذا حديث صحيح
      • الثاني : إذا كان العبد يتظاهر ويتكبر ويستمر في الرياء، فإن عبادته تبطل لأن العبادة تتعلق بالإخلاص من البداية إلى النهاية، مثل أن يصلي العبد الفرض لوجه الله في البداية وفي منتصفه يطمئن للرياء.

علامات الرياء

يوجد العديد من الصفات التي يعاني منها المسلم عند إصابته بالرياء، ويجب عليه أن ينقذ نفسه قبل أن يغرق في بحر الرياء المظلم، وأهم تلك الصفات هي:

  • إصابة المؤمن بالكبر وعدم التواضع والغرور.
  • شعور الشخص بالرغبة الشديدة في الشهرة والظهور أمام الناس.
  • الشعور الدائم بالحاجة لتعارض الآراء، حتى إن كانت صحيحة، من أجل لفت الانتباه فقط.
  • التعبد لله وأداء فروضه خوفا من الناس وليس خوفا من الله عز وجل.
  • التفرد المستمر للفتوى والأحكام الشرعية حتى بدون معرفة الضوابط والشروط.

أنواع الرياء

كما أشرنا سابقا، أشار رسولنا الحبيب في حديثه الكريم إلى أن الرياء أخطر علينا من فتنة المسيح الدجال، فنحن دائما نحاول أن نظهر بأفضل صورة أمام الناس حتى لو كان ذلك بالكذب، ولذلك هناك العديد من أنواع الرياء التي يمكن أن يصاب بها الإنسان، وأهم تلك الأنواع هي:

  • الرياء بالعلم : وهو أن يقوم الشخص بزيارة الشيوخ والعلماء، حتى يطلق عليه لقب طالب علم، ويحصل على المعرفة من الفقهاء العديدين.
  • رياء الأعمال : عندما يقصد الفرد التعبد والاجتهاد في العبادة حتى يراه الناس ويمدحوه ويتم وصفه بالعابد.
  • الرياء البدني : التظاهر بالحزن على حالة الإسلام والشخص نفسه وما وصلت إليه أموره، والتظاهر بالاهتمام بالآخرة على حساب الدنيا، بالإضافة إلى التظاهر بالتعب والمرض، بهدف الحصول على شهرة بفضل التقوى الزائفة.
  • رياء القول : هو عملية تعمد لذكر الله، وذكر آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وإظهار الحزن على الإسلام بالقول، خاصة عند ارتكاب الناس للمعاصي والآثام.
  • الرياء بالهيئة : هو عدم اهتمام الشخص بنفسه ومظهره الخارجي، وعدم إزالة الأتربة والعلامات الموجودة على الجبين من موضوع السجود.

مشروعية التخفي والابتعاد عن أعين الناس حال العبادة لان ذلك ادعى للاخلاص

  • أباح العلماء التخفي والابتعاد عن أعين الناس أثناء الاجتهاد في العبادة، حتى يكون بعيدا عن الرياء أو الإصابة به، فتكون نيته حينها خالصة لله عز وجل وحده وليس للناس.
  • بالإضافة إلى ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديثه النبوية: “من استطاع منكم أن يكون له مكان سري لأعمال صالحة، فليفعل ذلك.” فقال الزبير بن العوام أنه يشير إلى الشخص الذي يستطيع أن يجد مكانا خفيا يختبئ فيه من الناس ليعبد ربه، ويكفر به الذنوب، فإن ذلك من الأمور المستحبة
  • وكما أن لقاء الإنسان بربه يحمل العديد من الفوائد، فإن أهم هذه الفوائد ستتضح في السطور القادمة
    • تبتعد تماما عن احتمالية الوقوع في الرياء، وتكون النية خالصة لله عز وجل.
    • زيادة إيمان العبد بالله عز وجل.
    • تعد هذه العبادات والجهود وسيلة للتخلص من الخطايا، وتظل في حساب الشخص لمساعدته على التغلب على المحن والصعوبات.
    • لها الأثر العظيم في نفوس العباد.
    • تقوم هذه الاجتهادات بإصلاح قلوب العباد وتطهيرها من الآثام والأخطاء.
    • تعد من أصدق أنواع العبادات.

كيفية التخلص من الرياء

كما أشيرنا أعلاه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وصف العبادات التي يسعى الإنسان لارضاء الناس بها بالشرك الأصغر، وبالتالي يجب على الفرد أن يتجنب الرياء ويكرهه وأن يمتنع عن الانصياع له، أما المسكين الذي يعاني منه، فيجب عليه أن يكافح للتخلص من هذه العادة، ويمكن علاجها عن طريق ما يلي:

  • في البداية يجب أن نتذكر النية في التخلص من الرياء وطلب رضا الله عز وجل، ومن ثم الاستعانة بالله في التخلص منه، بالدعاء والتواضع أمام الله.
  • معرفة الرياء حق للمعرفة، ومعرفة آثاره وأضراره على المؤمنين، نظرا لأنه يعيق الأعمال ويثير غضب الله عز وجل.
  • يجب على المؤمن أن يعلم أن الله يعلم السر وما يخفي، فهو عالم الغيب وعالم بما تحمله القلوب فهو يقلبها، فهو يراقب كل فعل وقول يصدر من العبد ويعرف النية وراءه، فمن يهتم بأن يكون الله يراقبه وأفعاله لا ينظر إلى الناس.
  • إدراكا بأن الرياء يحمل العديد من الأضرار التي يتعرض لها المسلم في الدنيا، كان يعرض الله أمره ونواياه السيئة للناس بأسرهم.
  • بالإضافة إلى ذلك، يجب على العبد أن يجاهد نفسه في الاجتناب عن الرياء وعدم الاطمئنان إليه. ومن المستحب أن يبقى الإنسان وحيدا في مكان بعيد عن أعين الناس، حتى يتصدق بنيته لله عز وجل، ويتجنب الرياء تماما، ويأخذ في الاعتبار نظرة الناس له.

في النهاية، نرى أن من علامات السعادة ليس ابتغاء ثناء الناس على عبادتنا، وهذا مفهوم خاطئ تماما. يطلق على هذا الفعل في الفقه مصطلح الرياء، وقد قال النبي محمد أنه أخطر من المسيح الدجال وأنه شرك صغير.

يمكنك أيضا الحصول على مزيد من المعلومات عن طريق الاطلاع على المواضيع التالية:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى