الدين و الروحانياتالناس و المجتمع

نظرية النظم القرآني قبل عبد القاهر الجرجاني

لدى نظرية النظم القرآني تاريخ طويل يمتد لمئات السنين قبل عبد القاهر الجرجاني، وسنتعرف اليوم على وجودها ومقصدها من خلال موقع الموسوعة، وأيضا على نشأة هذه النظرية لدى هذا العالم الجليل في القرن الخامس الهجري وأثارها.

جدول المحتويات

نظرية النظم القرآني قبل عبد القاهر الجرجاني

لم تظهر نظرية النظم القرآني مع القرن الخامس الهجري كما يعتقد البعض، بل كانت موجودة قبل ذلك بقرون من الزمن، ولكن الشيخ عبد القاهر الجرجاني له الفضل في تنظيم هذا العلم وتطويره إلى مستوى النظرية.

المقصود بالنظم

لكن دعونا أولا نفهم المقصود بالنظم وما نعنيه بنظرية النظم

  • إن النظام في اللغة العربية يأتي من الفعل نظم، وهو يعني تنظيم وترتيب الأشياء بشكل متسق، والنثر هو العكس من النظام. وهناك العديد من الأمثلة على النظام في الأشياء مثل ترتيب الخرز وتجميعه.
  • أما معنى التنظيم من الناحية الاصطلاحية، فهو يشير إلى ترتيب الكلمات والجمل بطريقة تجعل معانيها متسقة ومفهومة للإنسان وتلبي رغبات عقله.
  • يعتقد البعض الآخر أن النظم هو الشعر وأنه مرتبط بالوزن والقافية، ويعتبر بعض الناس التأليف الشعري نظما.
  • بينما يرى البعض أن النظام هو تركيب وتنسيق الكلمات بحيث يفسر بعضها بعضا، ولذلك فإنه يرون ضرورة دراسة النحو لكل من يعمل في التأليف حتى يتمكن من معرفة المعاني وراء الكلمات والتغيير الناجم عن اختلاف ترتيبها.
  • أما عبد القاهر الجرجاني فهو يعرف النظم بأنها
    “تعليق الكلمة بعضها ببعض وجعل بعضها سببا لبعض”.

النظم قبل عبد القاهر الجرجاني

نظرية النظم ليست حديثة، فهي نتاج سنوات من الجهود والمحاولات المختلفة التي بذلها العلماء على مر السنين، ولا يمكن تجاهل دورهم أو إغفاله حتى وإن كان أقل تنظيما أو وضوحا من دور عبد القاهر الجرجاني.

في الواقع، كانت النظرية في البداية مجموعة من الإشارات أو التلميحات غير المحددة أو المباشرة، ولم تصل إلى درجة التنظيم الكامل، ولكن هذه المقدمات البسيطة كانت الأساس الذي نشأت عليه النظرية فيما بعد.

كان للعديد من العلماء جهود جبارة في تفسير الكلمات وتطور المعنى اللغوي الذي استند إليه، وقد استفاد عبد القاهر الجرجاني من جهود هؤلاء العلماء في فهم دلالات القرآن الكريم وتحديد مواضع الإعجاز فيه، ويجب على الباحث أن يدرس هذه المصادر أولا لكي يتمكن من فهم النظرية.

ظهرت كلمة النظم في العديد من المصادر الأخرى، مثل قول الزمخشري في كتابه “أساس البلاغة”، وقول ابن المنظور “نظمت اللؤلؤ”، وأيضا قوله أن النظم هو التأليف. وقد ورد أيضا عن الرازي أن النظم هو اتساق الكلمات، وقال الفيروزبادي أن النظم هو تأليف الشيء ودمجه مع بعضه.

وقد ذكرت جميع هذه المصادر أن النظم يشير إلى تنسيق وتنظيم الكلمات، وهو عكس النثر. قد عرفه الرازي بأنه نظم الشعر، ولذلك يمكننا القول إن العلماء قد عرفوا النظم بمعناه الشامل قبل عبد الظاهر الجرجاني، وذلك كما ورد في الكتب والأثار التي وصلتنا عن الزمخشري والرازي والفيروزبادي.

في حديث نبوي شريف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الآيات خرزات منظومات في سلك، إذا انقطع السلك أتبع بعضه بعضا”. يعني هذا أن مفهوم النظم كان موجودا قبل عبد الظاهر الجرجاني.

يعتقد بن المثني أن القرآن الكريم يحمل معنى النظم، فهو يسمى القرآن وليس له مثيل، حيث يحتوي على مجموعة من السور وهو تفسير لإحدى الآيات التي ظهرت في سورة القيامة، بسم الله الرحمن الرحيم “إن علينا جمعه وقرآنه” صدق الله العظيم، ومعنى ذلك هو التجميع والتأليف.

صدر كتاب “إعجاز القرآن في نظمه وتأليفه” في القرن الرابع الميلادي، وسبق ظهور نظرية النظم لدى عبد القاهر الجرجاني، وأيضا تحدث أبو هشام الجبائي وأبو بكر الصولي وغيرهم من العلماء الذين تناولوا النظم بطرق مختلفة.

نشأة نظرية النظم

كان القرن الخامس الهجري من أهم الفترات في التاريخ الإسلامي، حيث ظهرت العديد من الكتب والمؤلفات الهامة في مختلف مجالات العلوم، بما في ذلك علم اللغة والبلاغة بالتأكيد، وقد تميز فيه العديد من الفقهاء والعلماء، وعلى رأسهم أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني.

بدأ عبد القاهر الجرجاني بتعلم الشعر في البداية وحاول العمل به، ولكنه لم يحظى برضا وتبارك من الملوك حتى يتمكن من الاستفادة منه، لذا اضطر إلى العمل في مجال الكتابة والتدريس، وقام بكتابة العديد من المؤلفات، أبرزها كتاب أسرار البلاغة وكتاب دلائل الإعجاز.

كتاب دلائل الإعجاز كان أول ظهور لنظرية النظم بشكلها الشامل الذي ندرسه ونبحث فيه، حيث يستعرض الكتاب الإعجاز الموجود في القرآن من خلال توضيح البلاغة والإبداع اللغوي الذي يتضمنه الكتاب وتحليله بدقة.

تعتمد نظرية النظم على ثلاثة أنواع رئيسية من الكلمات، وهي الأفعال والحروف والأسماء، وتوجد علاقات بين هذه الأقسام الثلاثة حيث يترتب البعض على البعض. وتعتمد هذه العلاقات على معاني ودلالات محددة. وقد قام عبد القاهر الجرجاني بتفصيل نظم الكلمات والحروف في كتبه.

يجب أن نذكر أن نظرية النظم تستند إلى إحياء قواعد النحو، ولا يجب الخلط بين النحو والنظم، فالنحو له قواعد وأسس ثابتة لا تتغير، بينما النظم تعتمد على الفهم وتختار المعنى الذي تحتاجه، وهذا يتطلب شيئا من الموهبة والذوق الأدبي.

المراجع 1 _ 2 _ 3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى