أدلة و مراجعاتكتب و أدب

بحث عن الوصل والفصل

في هذا المقال، سنتحدث عن باب الفصل والوصل، وهو أحد أبواب البلاغة الدقيقة. وقد وصفه الإمام السبكي في كتابه عروس الأفراح بأنه باب عريض يتطلب التشمير عن ساق الجد. لذلك، سنحاول في هذا الموضوع استكشاف تفاصيل الفصل والوصل وشرحها، بالإضافة إلى شرح الأمثلة والبلاغة المتعلقة بهذا الباب. تابعونا معنا في موسوعة في بحث عن الوصل والفصل. اللهم، نسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين

تعريف الفصل والوصل

تعريف الوصل

لغةً

الوصل في اللغة يعني ربط شيء بآخر والتواصل معه، ومن ذلك صوم الوصال وهو أن يصوم النهار ويمسك الليل، مع صوم اليوم التالي دون أن يفطر شيئا، ومن ذلك تربط المرأة شعرها بشعر غيرها، وهي تسمى واصلة، ومن ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله الواصلة والمستوصلة”

اصطلاحًا

الوصل في اصطلاح البلاغيين هو: عطف بعض الجمل على بعض بالواو خاصةً.

تعريف الفصل

لغةً

أصله القطع، من فصلته عن غيره فصلًا: أزلته، أو قطعته فانفصل، ومنه فصل النزاعات وهو الحكم بقطعها، وهذا يعتبر فصلا في الخطاب، وفصلت المرأة طيمتها فصل، ومنه الفصل بين الناقة ومولودها، لأنه يفصل بين الأم والطفل، وفصل الحدود بين البلدين فصلا أي يفرق بينهما

اصطلاحًا

يشير مصطلح البلاغة إلى ترك العطف بين الجمل في التفصيل

وهذا الفصل يتعامل مع العبارات التي لا تحتاج إلى تفصيل في الإعراب، وخاصة الواو بين حروف العطف، حيث تستخدم لربط الكلمات والعبارات دون التأثير على تركيبها النحوي

اهداف درس الوصل والفصل

  • يهدف البحث في هذا الفصل إلى استكشاف العلاقات بين المعاني وتحديد كيفية تقارن وتتقاطع هذه المعاني. لماذا يتم الارتباط والفصل بينها؟ وما هو نوع الارتباط؟ وما هي درجته؟ وهل هناك علاقات بين الجمل المتجاورة.
  • كما يتطرق إلى محتوى الكلام وتفاصيله عند نهاية أجزاء معانيه، بغض النظر عن حجمها أو صغرها، لكي يتأمل هذه التفاصيل ويحدد الخيط الرفيع العميق في ضمير الكلام، ويجمع بين بداية ونهاية الكلام، وهل كانت هذه التفاصيل تحتوي على حبات من نوع واحد أو من أنواع متشابهة؟ أم كانت تحتوي على حبات من أنواع مختلفة؟

تناسب المعاني

حرص العرب على التناغم بين المعاني والتآخي بين الكلمات، وذلك واضح في تراث الشعراء والمتذوقين، حيث ذكروا الكلمة المتمكنة والكلمة القلقة النابية، وأنشدوا الشعر الذي لا قران له، كما قال ابن الأعرابي

وبدأ يدرس شعرا لا قرآن له فزاد تثقيفه حوله فما زادا

الحقيقة هي أن معرفة مدى تلطف وسلاسة الكلمات سهلة، ومن الرطوبة الناعمة، مما يجعلها تلين حتى على أولئك الذين لديهم خبرة في هذا المجال

الفصل والوصل عند عبد القاهر الجرجاني

درس الإمام عبد القاهر الجرجاني هذا الموضوع في كتابه “دلائل الإعجاز” حيث قال: “يجب معرفة القواعد اللازمة لصياغة الجمل الصحيحة وتركيبها بشكل جيد واستخدام الأدوات البلاغية بشكل صحيح وفهم سر البلاغة. وإذا لم يكن هناك فهم صحيح لهذه القواعد فإنه يعتبر فشلا في البلاغة وتلغي الفن في التعبير”

أحوال الوصل والفصل

الحالة الأولى

الفكرة هنا هي أن تكون الجملة الأولى لها دور في التعبير، والهدف هو تشبيكها مع الجملة الثانية في الحكم

  • في هذه الحالة، تعطف الثانية على الأولى ويربطان بينهما، مثلا: محمد يعطي ويمنع، وزرت رجلا يأمر وينهى
  • وهذا الوصل واجب لغرض مشاركة الجملة الثانية مع الأولى في المعنى والتركيب النحوي
  • ويعتبر هذا أيضا نوعا من العطف المفرد على المفرد، حيث تكون الجملة التي تحتوي على مكان الإعراب موجودة في مكان المفرد، وبالتالي يمكننا أن نقول: محمد معط ومانع
  • يجب أن يكون هناك جهة جامعة بين المعطوف والمعطوف عليه، مثل قوله تعالى: “يعلم ما يدخل الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم”، وقوله تعالى: “والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون”
  • ولذلك عيب على أبي تمام قوله:

وبالنسبة للعالم، فإنه يعلم أن النوى يتطلب الصبر وأن أبا الحسين كريم

لا يوجد توافق بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى، ولا يوجد ارتباط بينهما، وهناك اعتقاد خاطئ بأن الأول يعزز المرارة والثاني يعزز الحلاوة

الحالة الثانية

وهي أن تكون الجملة الأولى لها مكان في التركيب النحوي، ولم يكن القصد المشاركة في الحكم:

  • في هذه الحالة، يجب الفصل، كما ذكر الله في قصة المنافقين: “وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون. الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون”
  • تم فصل عبارة “الله يستهزئ بهم” عن الجملة السابقة لعدم تشاركها في الحكم أو القيود المفروضة عليها، فهي ليست من قول المنافقين، وإذا اتصلت بها لكانت من قولهم وهذا ليس مقصود الآية

اسباب الفصل بين الجمل

وافق البلاغيون على أن الفصل وترك الواو واجب في الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وهذا يحدث في عدة مواضع

كمال الاتصال

  • تتميز العلاقة بين الجملتين بالقوة والارتباط الوثيق بينهما ، لذا فإنهما لا يحتاجان إلى حرف الواو الذي يكون غريبا عليهما.
  • وضابط كمال الاتصال هو: يجب أن تكون الجملة الثانية متصلة بالجملة الأولى بشكل كامل، سواء كان ذلك بواسطة التوكيد أو البدل أو عطف البيان

 الصورة الأولى

         تكون الجملة الثانية منزلة التوكيد من الجملة الأولى، ويكون التوكيد لدفع توهم التجاوز أو الخطأ، وذلك على قسمين:

  • عند ثبوت معنى إحدى الجملتين يجب أن يثبت معنى الأخرى، والتوكيد يلغي التجوز، والجملة الثانية في هذه الحالة تكون كتأكيد ذهني للجملة الأولى، مثل قوله تعالى: “ذلك الكتاب لا ريب فيه” حيث فصل جملة “لا ريب” عن الجملة الأولى لأنها تؤكد عليها، إذ وصف الكتاب بأنه كامل ولا يوجد نقص فيه، وبسبب ذلك يمكن للمستمع أن يتخيل أن هذا من الأحكام المبالغ فيها، لذلك جاءت جملة “لا ريب فيه” لتؤكد المعنى وتدحض هذا التخيل وتثبت أنها من حقيقة وليست من التجاوز، لإزالة أي تخيل للمستمع بأنك تتجاوز أو تفسر بشكل خاطئ
  • أما القسم الثاني: التوكيد اللفظي هو أن يتم اتحاد الجملة الثانية مع الأولى في المعنى سواء اختلفتا في اللفظ أم اتحدتا. مثال على ذلك قوله تعالى: “ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين”. فبين جملة “هدى للمتقين” و”ذلك الكتاب” اتحاد في المعنى، فجملة “ذلك الكتاب” تشير إلى أن الكتاب كامل في الهداية، وهذا ما يؤكده جملة “هدى للمتقين”، فهو هداية محضة

ومن بين الجملتين التي تشتركان في اللفظ والمعنى قوله تعالى: “فمهل الكافرين أمهلهم رويدا”، فالتوحيد بين هاتين الجملتين يغني عن الاشتراك بسبب قوة الربط بينهما

الصورة الثانية

يتم تبديل المرتبتين بين الجملتين، ويجب أن يراعى في الاستبدال أن الجملة الأولى غير كافية في المعنى بالمقارنة مع الجملة الثانية، ويجب الاهتمام بالمراد البلاغي في الاستبدال، مثل أن يكون المطلوب في ذاته يستدعي الاهتمام، أو يكون فظيعا هائلا لا يمكن للذهن فهمه من البداية، أو يكون عجيبا يتطلب التوضيح المسبق، أو يكون لطيفا يحتاج إلى شرح إضافي

والمقصود بالحكم في البدل هو الثاني (أي البدل) والمبدل هو توطئة له، والهدف من البدل هو زيادة التوضيح والتأكيد، ففيه نوع من التأكيد. هذا التأكيد يأتي من خلال البدل عندما يكون النية تكرار العمل، ففيه يتم ذكر الشيء مرتين

وهذه الصورة من صور كمال التصال لها ضربان:

  • أن تنزل الجملة الثانية من الأولى بدل البعض من متبوعه، وذلك مثل قوله تعالى: “واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون. أمدكم بأنعام وبنين. وجنات وعيون”، فجملة “أمدكم بما تعلمون” كافية لتأدية المعنى المراد، ولكن ما يأتي بعدها يحتوي على تفصيل لذلك مما يزيد في التوضيح، لذلك يجب فصل بين الجملتين، مع كون الثانية بدل بعض من الأولى لأن النعم المذكورة هي جزء من ما يعلمون، “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها”
  • الضرب الثاني هو أن يأخذ الثاني مكان الأولى بدلا من أن يكون متبوعا لها، وهذا يوضحه قوله تعالى: “يا قوم اتبعوا المرسلين. اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون”. المقصود هنا هو تحميل المخاطبين بمتابعة الرسل، والجملة الأولى “اتبعوا المرسلين” تنقل هذا المعنى، ولكن الجملة الثانية “اتبعوا من…” تحتوي على زيادة تعزز وتحمل، وذلك بسبب وجود مصلحة تزيد من رغبتهم في المتابعة. فهم لا يخسرون في الدنيا ولا في الآخرة. لذلك، تم فصل الجملتين بسبب الارتباط القوي بينهما، وتم وضع الجملة الثانية مكان الأولى لأنها تشمل الأولى. فمن لا يسأل أجرا وهو مهتد في نفس الوقت، هم جميع المرسلين، وهذا هو وصف معنوي لهم

الصورة الثالثة

أن تنزل الجملة الثانية من الأولى منزلة عطف البيان من متبوعه، وذلك لإفادة الإيضاح، والمقتضي للفصل هنا هو التبيين وليس زيادة التقرير كالبدل، وذلك كما في قوله تعالى: “فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى”، فتم فصل جملة “فوسوس إليه الشيطان” عن الجملة الثانية “قال يا آدم…”، لأن الأولى فيها نوع من الخفاء، وجاءت الثانية لتوضيح ذلك، فبين الجملتين اتصال تام حيث أن الثانية تعتبر عطفا للأولى، ولذلك تم فصل الجملتين

كمال الانقطاع بلا إيهام خلاف المقصود

يجب أن يكون هناك تباين تام بين الجملتين أو في الإسناد، ويمكن الفصل بينهما بصورتين

الصورة الأولى

أن الانقطاع يكون كاملا عندما يعود السببان الأساسيان وكل ما يتعلق بهما، ويتحقق ذلك عندما ينعدم السبب وأيضا العلاقة بين الجملتين

  • وذلك كان لتفضيله عن المسند المشترك بينهما، مثلما نقول “زيد طويل وعمرو قصير”، فلا يوجد أي ارتباط بين زيد وعمرو من ناحية الصداقة أو القرابة أو غيرها
  • أو الاستغناء عن المسند فيهما، مثل قولنا زيد طويل وعمرو نائم، فلا يوجد علاقة بين الطول والنوم، لذا يتم فصل الجملتين حتى إذا كانت هناك صلة قرابة بين زيد وعمرو
  • ومن ذلك قول الشاعر أبي العتاهية:

الإنسان يعرف بأصغر شيئين لديه، فكل إنسان يعتمد على ما لديه

فليس هناك مناسبة أو رابط بين الشطرين.

  • ويرجى ملاحظة هنا أن كمال الانقطاع لا يقصد به فقدان الرابطة المعنوية والعلاقة الجامعة بين الجملتين، وإلا سيؤدي إلى تفكك الكلام حيث لا يوجد ارتباط يجمع بين أجزائه، ولكن المقصود بكمال الانقطاع هو غياب المناسبة الخاصة التي تجعل عطف هذه الجملة على الجملة السابقة صحيحة

الصورة الثانية

أن يكون الانقطاع كمالا لاختلاف الجملتين في الخبرية والإنشائية، سواء لفظا ومعنى، أو معنى فقط، ولذلك هناك نوعان:

  • النوع الأول: أن يختلفا في اللفظ والمعنى، وهذا مثل قولنا: لا تستهن من الأسد يأكلك، فالجملة الأولى “لا تستهن من الأسد” تعني نهي وهي من الكلام الصادر للتحذير والمقصود من الجملة هو منع الاقتراب، وبالتالي فإن المعنى أيضا هو تحذير، أما الجملة الثانية فهي تعبر عن النتيجة المحتملة وهي جملة تعبر عن النتيجة بدون إضافة لون من ألوان التحذير، والمقصود بها هو مجرد إخبار بالنتيجة ولذلك فهي جملة إخبارية في اللفظ والمعنى ويجب فصلها عن الجملة الأولى بسبب الانقطاع الكامل بينهما، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن”
  • النوع الثاني: أن يختلفا في الخبرية والإنشائية في المعنى فقط، وذلك كقوله تعالى: “خلق الله السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون”، فالجملة الأولى “خلق الله السماوات والأرض بالحق” هي خبرية في اللفظ والمعنى، والجملة الثانية “تعالى عما يشركون” هي خبرية في اللفظ ولكنها تعبر عن الدعاء وهذا معنى إنشائي، فقد اختلفت الجملتان في المعنى، فالأولى هي خبرية في المعنى والثانية هي إنشائية في المعنى، ولذلك يجب تمييزهما لتحقيق الفصل الكامل دون التلاعب

شبه كمال الاتصال

والضابطة هنا هي أن الجملة الأولى تثير سؤالا يمكن للجملة الثانية أن تكون جوابا عنه، ويتم فصل بينهما مثلما يتم فصل بين السؤال والجواب، ويكون ذلك تشويقا للمستمع بإثارة السؤال، ثم الإجابة عنه ليتمكن المطلوب من الاستنتاج ويظهر حبه للتحقق من الأمور، ويغنيه ذلك عن طرح السؤال، وهذا ما يعرف بالاستئناف البياني، وهناك ثلاثة أنواع يتم تبعا لنوع السؤال الذي تثيره الجملة الأولى، وهي كالتالي:

الضرب الأول

سؤال السبب في الحكم ليس مطروحا هنا، حيث أن المخاطب فارغ الذهن، فلا يتأكد الكلام لديه، وهذا مشابه لقول الشاعر

سألني كيف حالك؟ قلت مريض، سهران وحزين لفترة طويلة

أثارت الجملة “أنا مريض” سؤالا وهو لماذا أنت مريض؟ فجاءت الجملة الثانية كإجابة على هذا السؤال، فتم تفصيل الجملتين لتعزيز الاتصال الكامل بينهما

الضرب الثاني

سؤال عن سبب محدد للحكم، حيث يتصور المخاطب نفي جميع الأسباب ما عدا سبب واحد يتكرر في وجوده وغيابه، ويؤكد الكلام هنا بشدة لتوجيه التردد، مثل قوله تعالى: “وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء”، كأنه قيل هل النفس أمارة بالسوء، وجاءت الجملة الثانية كجواب لهذا السؤال، وأكدت بشدة واحدة لتوجيه التردد

الضرب الثالث

السؤال عن السبب العام ليس ذا صلة بمعنى الجملة الأولى، وهذا يشبه قول الله تعالى: “قالوا سلاما قال سلام”، حيث يتساءل السائل عن ما قال إبراهيم عليه السلام، ولكن هذا السؤال ليس له علاقة بمعنى الجملة الأولى، وهذا الأسلوب يتكرر كثيرا في القرآن

شبه كمال الانقطاع

يجب أن تسبق الجملة الثالثة جملتين حتى يكون العطف صحيحا، ولا يجوز أن يتم عطفها على الجملة الثانية لأن ذلك سيؤدي إلى تشويش المعنى، فيترك العطف ليتم تأويله على أنه عطف الجملة الثالثة على الجملة الثانية، وهذا مثل قول الشاعر:

وتظن سلمى أنني أرغب فيها بدلا من أن أراها تائهة

ففي البيت ثلاث كلمات “أظن” و”أبغي” و”أراها”، وبين الثالثة والأولى هناك تناسق، حيث يعني “أراها” أنا أظنها، وهكذا المحبوب هو الذي يشير إليه الفعل في الجملة الأولى والمحب في الثالثة، ولكنه ترك العطف، لكي لا يظن القارئ أن “أراها” تتعلق بـ”أبغي”، وبالتالي ستكون سلمى هي التي أظنها أيضا ولكنها ليست المقصودة، ومن هنا تأتي أيضا قول الشاعر

    يقولون إني أحمل الضيم عندهم، أعوذ بربي أن يضام نظيري

اسباب الوصل بين الجمل

إذا لم يوجد شيء يربط بين الجملتين من الأحوال الأربعة، فإن الوصل يتم في موضعين

كمال الانقطاع مع إيهام خلاف المقصود

وهذا عند تباين الجملتين في اللفظ والإنشاء، ولو في المعنى فقط، وكان الفصل بينهما يتعارض مع هدف المتكلم ويوهم بوجود خلاف في المقصود، وهذا مثل ما حدث عندما مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه برجل يحمل في يده ثوبا، فسأله: هل تريد بيع هذا؟ فأجاب الرجل: لا يرحمك الله؟ فقال له سيدنا أبو بكر: لا تقل هكذا، قل: لا، ويرحمك الله. فالجملة الأولى “لا” تعبر عن الخبر لفظا ومعنى، والجملة الثانية “يرحمك الله” تعبر عن الخبر لفظا وتكون معناها الدعاء، والفصل بينهما يفسد المعنى: حيث يعتقد السامع أنك تدعو على الرجل في حين أنك تقصد الدعاء له، فضرورة الوصل تفاديا لهذا الاعتقاد، وقد يتم تفادي هذا الاعتقاد بطريقة أخرى غير الوصل، وهي السكوت بعد “لا” ثم استكمال الجملة بعدها

التوسط بين الكمالين مع وجود الجامع  

التوسط بين حالتي الانقطاع التام والاتصال التام، يتمثل في انحراف الجملة للجملة إذا كانت الجملة الأولى ليس لها مكان في التعبير مع وجود علاقة مناسبة بينهما، وهذه الصورة تسمى الجامعة، ولها اثنتان من الأشكال:

الضرب الأول

أن تكون الجملتان متطابقتين في الجزئيات اللفظية والمعنوية في البنية الجملية، مثل قوله تعالى: “إن الأبرار لفي نعيم. وإن الفجار لفي جحيم”، فقد توحدت الجملتان في اللفظ والمعنى، وتوجد تناغم بينهما يتجلى في التضاد بين الصورتين، وبالمثل قوله تعالى: “يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي”، حيث يتم الاتحاد بين المسند والمسند إليه في الجملتين

الضرب الثاني

عندما تتفق الجملتان في الخبرية أو الإنشائية، يكون المعنى مشابها فقط. على سبيل المثال، قوله تعالى: “قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون”، الجملة الأولى خبرية في اللفظ والمعنى، والثانية إنشائية لفظا ولكنها خبرية في المعنى. المقصود هو: أنا أشهد الله وأشهدكم، ويوجد توافق في المناسبة بين المسند والمسند إليه في الجملتين، ولا يوجد مانع من العطف

قد يكون الجامع عقليا، مما يعني أن العقل يدعو إلى الجمع بين الأمرين، مثل قولنا “محمد كاتب وعلي شاعر”؛ فهما متفقان في الإنسانية الحقيقية، وقد يكون الجامع وهميا، أي يتصور الوهم التقارب بين الطرفين، مثل قولنا “بياض الفضة يجمل وصفرة الذهب تسر”؛ فالوهم يتصور أنهما متشابهان ويعتبرهما نوعا واحدا، وقد يكون الجامع خياليا، أي يتعلق بالصور الخيالية، مثل قوله تعالى “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت”؛ فترتيب هذه الأشياء في القرآن يأتي كما هو متصور عند العرب في الصحراء

تحدثنا اليوم عن موضوع الفصل والوصل وفقا لعلماء البلاغة، واعتمدنا في هذا المقال على كتاب بحوث في علم المعاني، الذي كتبه العديد من أساتذتي الكرام. ومن بين هؤلاء الأساتذة: الأستاذ الدكتور صباح دراز، والأستاذ الدكتور رفعت السوداني، والأستاذ الدكتور شعبان عيد، والأستاذ الدكتور وليد حمودة، وهو المؤلف للقسم المخصص للفصل والوصل في هذا الكتاب. استنادا إلى المحاضرات التي قدمها لنا في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الشريف. نسأل الله تعالى أن يزيد في النفع بهذا الكتاب للإسلام والمسلمين، وأن يعلمنا وينفعنا بما علمنا، فإنه قادر على ذلك. تابعونا على موقع الموسوعة ليصلكم كل جديد، ودمتم في أمان الله             

         

       

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى