الدين و الروحانياتالناس و المجتمع

من خطيب الأنبياء

من بين جميع الأنبياء، هناك نبي حاز على هذا اللقب بسبب وضوح منطقه وقوة حجته، وهو نبي الله شعيب عليه السلام. نبي الله شعيب كان من ذرية مدين، وهو أحد أبناء إبراهيم عليه السلام. تعالوا معنا لنتعرف على قصة هذا النبي الكريم مع قومه، وماذا فعل نبي الله شعيب حين دعاهم؟ وهل آمنوا به؟ ستتعرفون على هذه القصة المباركة من قصص الأنبياء في القرآن الكريم من خلال الموسوعة (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) { 111- يوسف}

من خطيب الأنبياء – زمن نبي الله شعيب عليه السلام

سيدنا شعيب عليه السلام هو من ذرية مدين، وهو أحد أولاد إبراهيم عليه السلام وأبو الأنبياء، وأمه هي بنت النبي لوط عليه السلام، ولذلك فإن بعثته مرتبطة ببعثة لوط عليه السلام، وهو بعد موسى وهارون عليهما السلام. ودليل ذلك قوله تعالى في سورة هود: (وما قوم لوط منكم ببعيد)

من هم قوم نبي الله شعيب عليه السلام

  • كان أهل مدين قوما من العرب يسكنون مدينتهم (مدين) والتي تقع قرب أرض معان في أطراف الشام من ناحية الحجاز وبالقرب من بحيرة قوم لوط، وهم من نسل مدين بن مديان بن الخليل إبراهيم عليه السلام
  • كان أهل مدينة كفارا يعرقلون السبيل ويخيفون من يمر عليهم في الطريق، وكانوا يعبدون شجرة تسمى الأيكة
  • وكانوا من أسوأ الناس معاملة، حيث كانوا يخفضون الوزن والميزان ويسرقون فيهما ويتلاعبون فيهما ليأخذوا المزيد ويدفعون الأقل
  • لهذا السبب أرسل الله إليهم رجلا من بينهم، وهو نبي الله شعيب، لينصحهم بعدم القيام بهذه الأفعال السخيفة ويدعوهم لأخلاق رفيعة

البداية ( دعوة إلى التوحيد)

بدأ شعيب عليه السلام دعوته كما بدأها كل نبي قبله وكل نبي بعده (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) {85 -الأعراف}، فالتوحيد هو أساس الأساس الذي تنبثق منه كل مناهج الحياة وأوضاعها

دعوة إخلاص

شعيب بنوح عليهما السلام أراد أن يثبت لقومه أن دعوته ليست للحصول على منصب أو سلطة أو ثروة أو أي تعويض آخر، بل هدفه هو إخراجهم من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، فقال: (لا أطلب منكم أجرا على ذلك، فإن أجري مخصص فقط لله الذي خلق العالمين) {سورة الشعراء-180}

أمر بالمعروف ونهي عن المنكر

فكل نبي عندما يرسل إلى قومه، فإنه يرسل ليعالج مرضا بعينه، فيقدم الدواء المناسب لمرض قومه، إلا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أرسل دواء لكل مرض، وشفاء من كل داء، وكان مرض قوم شعيب عليه السلام كما ذكرنا سابقا يتمثل في التلاعب بالميزان وتعطيل الطريق، ولذلك دعاهم على النحو التالي: (املأوا الموازين بالكمال ولا تكونوا من الخاسرين، قيسوا بالعدل ولا تحرموا الناس من حقوقهم ولا تفسدوا في الأرض فسادا، واتقوا الله الذي خلقكم والأجداد الأولين) {181-184 سورة الشعراء}

إنكار وتكذيب

على الرغم من أن شعيب عليه السلام كان يتصف باللطف تجاه قومه وبطريقته الرقيقة التي تلين القلوب – وهو خطيب الأنبياء – إلا أن قلوب قومه كانت أشد قسوة من الحجارة. وعلى الرغم من أنه جلب لهم معجزة كدليل على صدق دعواه، إلا أنها لم تذكر في القرآن الكريم. إن جوابهم كان الكذب والإنكار، بل كانوا يعترضون طريق كل من يرغب في الإيمان به ويقولون له إنه كاذب. لذلك قال لهم: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل من آمن به) {86-الأعراف}

إيمان وثبات

بالرغم من كل ما فعله قوم شعيب عليه السلام معه، إلا أنه ظل صابرا ومحتسبا، ينصحهم ويخوفهم من عذاب الله ويواجههم بانحرافاتهم. لم يقل “فعلت وكفى”، بل بقي مصرا على إخراج قومه من جهالتهم، مع تظهر بعض اللين؛ فهو في النهاية واحد منهم يحب لهم الخير. قال لهم: “يا قوم، لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد” (هود: 89). وقال لهم: “إنما أريد الإصلاح ما استطعت” (هود: 88)

باب التوبة مفتوح

لم يغلق السلام باب التوبة أمام قومه، وهكذا فعل جميع الأنبياء، فإن الله تعالى يغفر جميع الذنوب طالما أن الإنسان آمن به ولم يشرك به أي شيء، وقال لهم: (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود) {90-هود}، ولكن للأسف وصلتهم درجة فساد قلوبهم وسوء تقديرهم حتى أصابهم العمى ولم يروا شمس الإيمان ونور اليقين

تهديد ووعيد

عندما رأى قوم شعيب عليه السلام أنهم لن يستطيعوا الوقوف أمام الإيمان البرهان المبين والصراط المستقيم؛ لجأوا إلى التهديد، فقالوا: (ما نفهم كثيرا مما تقول وإنا نراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) {91-هود}، ولكن جاء الرد الحاسم من الخطيب المتحدث قائلا: (قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي لما تعملون محيط) {92-هود}

واستمروا في تهديده بالنفي له ولمن آمن به من وطنهم، فقالوا: “لنخرجنك يا شعيب والذين معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا” {88- الأعراف}، ولكن استمر الرد الذي لا يترك فرصة لأي حجة: “قال أو لو كنا كارهين، قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها، وسع ربنا كل شيء علما، على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين” {89،88- الأعراف}

تحدٍ واستهزاء

وهم يستعجلون العذاب ويستهزئون به ويسخرون من نبي الله ومن أولئك الذين آمنوا معه، فقالوا: (إسقط علينا كسفا من السماء إن كنتم صادقين) {187-الشعراء} وبذلك الفعل قد جنوا على أنفسهم وحققوا لأنفسهم العذاب لو كانوا يعلمون

إسدال الستار

يقول الله تعالى: (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم) {191:189 الشعراء}، فقد ابتلاهم الله بالحر الشديد فخرجوا هاربين من ديارهم يريدون الهروب من قضاء الله وحكمه، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يفر من قدر الله إلى قدر الله، فأخذهم العذاب وأهلكهم الله واجتمعت عليهم النقمة بأكملها كما ذكر في القرآن الكريم في عدة مواضع، حيث أحيانا يشير إلى الظلة وأحيانا يشير إلى الصيحة وأحيانا أخرى يشير إلى الرجفة

وهكذا تمت قراءة صفحة جديدة من الصفحات المأساوية، وهكذا يعاقب من يكذب على العقوبة. وهكذا يعاقب الذين يحاربون دين الله في الدنيا بالخزي وفي الآخرة بالعذاب العظيم. واعلم يا أخي الكريم أن الله تعالى لا يروي قصص الأنبياء وغيرهم فقط للتسلية أو الحكاية، بل يريد منا أن نتعظ ونستفيد من أخطاء السابقين حتى لا نقع في نفس الأخطاء. ولذلك يقول الله تعالى في كتابه العزيز: “فاقصص القصص لعلهم يتفكرون” (الأعراف 176). تم تقديم هذا المقال لكم من قبل الموسوعة العربية الشاملة، فلا تنسوا متابعتنا ليصلكم كل جديد

مصادر:

القرآن الكريم، بداية ونهاية، ابن كثير، قصص القرآن، محمود المصري، تفسير الطبري، قصص الأنبياء، محمود المصري، قصص الأنبياء، ابن كثير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى