التعليموظائف و تعليم

نسبية الحقيقة والديمقراطية

انتشرت الأفكار العلمانية في الشرق الأوسط مؤخرا بفضل دور الصحفيين والمثقفين الذين ينتمون إلى هذه الأفكار. سعوا جاهدين في نشر أفكارهم المختلفة باستخدام التكنولوجيا وأعتبروها أفكارا طبيعية ومقبولة واتهموا كل من يعارضهم بشكل غير صحيح. اتهم العلمانيون كل من يعارضهم أو يشكك في أفكارهم بتهم مثل الشعبوية والرجعية والتخلف ومعارضة المشروع الحضاري الديمقراطي.

جدول المحتويات

نسبية الحقيقة والديمقراطية

• وما تم تداوله في الفترة الأخيرة في وسائل الإعلام وجلسات العلمانيين هي أفكار تشير إلى أن الحقيقة غير مطلقة. ووفقا لهذا المنطق الذي يتبناه العلمانيون، فإن الحقيقة بالنسبة للفرد هي مسألة نسبية. ويعتبر العلمانيون أن جميع الآراء صحيحة وأن اعتقاد الشخص بها أمر نسبي، مما يشير إلى صحة كل القضايا الأخلاقية والمظاهر الدينية وأن مدى اعتقاد الشخص بها هو ما يدفعه لاختيار ما يناسبه. وأشار العلمانيون أيضا إلى أن الاختيارات الأدبية والمسائل السياسية هي مسائل نسبية وجميعها صحيحة ولكن تختلف في الأولوية حسب رأي صاحبها. وبناء على هذه الآراء، يعتبر العلمانيون الحقيقة نسبية وأن كل شيء صحيح بنسبة متساوية حتى يتم تفضيله أو اختياره من قبل صاحب الرأي في القضية.

أولا : نسبية الحقيقة :

• وقد لجأ العلمانيون إلى هذا التفسير حتى يتمكنوا من إثبات الفكر الليبرالي الذي يسيرون على أثره. فإذا كان هناك ما يسمى بالحقيقة الكاملة المطلقة، فسوف يؤمن الناس بها بإيمان مطلق. وعندما يكون هناك إيمان مطلق، لن يكون هناك فرصة للتفكير بدون قيود، وبالتالي يتعارض ذلك مع الفكر الليبرالي الذي يسير عليه العلمانيون، لأن الفكر الليبرالي يقوم على التوصل إلى الاقتناع بعد المناقشة واختيار الحل الأنسب. وقد قام الليبراليون بنشر هذه المعتقدات لإقناع الأشخاص العاديين بها، حتى لا يستطيع أحد فرض رأيه على شخص آخر، مع الاعتقاد بأن جميع الآراء صحيحة، ولكن لكل شخص حرية مطلقة في اختيار المعتقدات والأفعال الخاصة به، وبذلك لا يوجد من لديه الحقيقة التامة ولا يوجد من يستطيع اتهام شخص آخر بالخطأ أو الضلال.

• هذه الأفكار بدأت في الانتشار منذ القرن الثالث والرابع قبل الميلاد في اليونان حيث وصل الفلاسفة اليونانيون إلى رفض فكرة الحقيقة المطلقة وتبني فكرة الحقيقة النسبية. وتم ذلك في اليونان بعد زيادة النزاعات والتناقضات في البلاد، مما أدى إلى أزمات شديدة وحتى توفير تعب ومشقة الوصول إلى الحقيقة المطلقة. واليوم، يعتمد العلمانيون على نفس الأفكار ونشرها ويدعون إلى أنه لا يوجد شيء يسمى الحقيقة المطلقة وأن الحقيقة المطلقة نسبية وتعتمد على معتقدات وأفكار الفرد.

• وقد لجأ الليبراليون إلى هذه المعتقدات والأفكار، على الرغم من أن الإنسان لديه عقلا يفكر ويستوعب الحق من الخطأ، على عكس ما يرغب الليبراليون. لقد قاموا أيضا بالتشكيك في الوحي الذي نزله الله على الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقولون أنه لا يمكن الجزم بأي شيء من الوحي، مما يؤدي بهم إلى تشويه قدسية الوحي. ولكن إذا كان هذا صحيحا، فلماذا أرسل الله تعالى الرسل للناس وتوعد بالنار من لا يؤمن، إذ الإيمان بالله والسنة النبوية حقيقة مطلقة لا يوجد فيها مناقشة أو جدل، كما يقول الله تعالى: “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون” (سورة الأنعام). وقد قال الله تعالى: “فتوكل على الله إنك على الحق المبين” (سورة النمل)، وقال تعالى: “والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه” (سورة فاطر)، وقال تعالى: “فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين” (سورة يونس) وقال تعالى: “فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون” (سورة يونس).

 ثانيا : نسبية الديمقراطية :

• بعد التطور والتقدم الذي شهدته معظم دول العالم، اتجهت هذه الدول إلى تحقيق التوازن في الديمقراطية من خلال تفعيل المساواة بين الجنسين بواسطة تطبيق الحصص النسائية. كما قامت هذه الدول بتفعيل المساواة بين الأجيال، والتي أدت إلى خفض سن الانتخاب لتحقيق التوازن بين الرجال والنساء، وكذلك بين الأجيال السابقة والقادمة في قوانين الانتخاب وفي مختلف جوانب الحياة.

• واجهت هذه الدول مشاكل وصعوبات، خاصة فرنسا في الانتخابات الفرنسية السابقة. فقد أدى مبدأ الديمقراطية النسبية الذي تم تنفيذه في فرنسا إلى حدوث تعثر سياسي، حيث أن وجود عدد كبير من الأحزاب السياسية في تشكيل الحكومة الفرنسية تسبب في صعوبات في اتخاذ القرارات.

• تسبب اختلاف القوى السياسية في تعطيل اتخاذ القرارات الهامة في الحكومة، حيث قامت الأحزاب السياسية في البلاد بذلك لإظهار فشل تلك الحكومات في إدارة البلاد. ونتيجة لذلك، قررت الدول الكبرى التخلي عن مبدأ الديمقراطية النسبية في انتخاباتها المختلفة، حتى لا يحدث تعطيل للقرارات السياسية الخاصة بتلك الدول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى