التاريخالناس و المجتمع

قصة جميلة من العصر القديم من مجلة

يتحدث القصة عن العصر العباسي في الزمن القديم، وهي واحدة من أجمل القصص التي رويت في تلك الفترة، والتي يمكن استفادة منها واستخلاص بعض الدروس التي تفيدنا في حياتنا اليومية، وتعتبر قصة القاضي الصغير واحدة من أهم تلك القصص الجميلة في ذلك العصر، وسنتعرف عليها في هذه المقالة.

قصة القاضي الصغير:

جاءت هذه القصة في العصر العباسي، حيث يحكى أن يوجد تاجر يسمى منصور يقوم ببيع بضاعته ويكسب منها بالحلال، فقد اشتهر هذا التاجر في بلاده العراق، وعلى وجه الخصوص في بغداد بأمانته، وشرفته، وكسبه للمال بالحلال، كما انه تميز بحسن أخلاقه، ومعاملته الحسنة لجميع الزبائن، وطيبته الزائدة..

في يوم خرج التاجر من عمله إلى منزله واستلقى على سريره لينام، حلم التاجر حلما غريبا حيث انشق الجدار الخاص بغرفته وظهر شيخ وقور من الجدار. جاء الشيخ إلى جانب التاجر وقيل له أن يسافر إلى بلاد الله الواسعة حيث يجد الخير والرزق والفرح والسعادة.

استيقظ التاجر من نومه، وتحدث إلى نفسه، لماذا أذهب إلى مكان غريب، لا أعرفها ولا أعرف أهلها، وقد رزقني الله بالرزق الواسع، والسعادة الكبيرة، والسمعة الطيبة في هذه البلد، فقد حققت النجاح الكبير الذي يتمناه أي شخص..

في الليلة التي تليها، عاد منصور إلى منزله، وأثناء نومه رأى نفس الحلم الذي رأاه في الليلة السابقة، حيث انشق الجدار وظهر شيخ وقور وتحدث إليه قائلا: يا منصور، سافر إلى بلاد المولى عز وجل الواسعة، فسوف يساعدك ويرزقك ما هو مكتوب لك هناك، وهذا الحلم تكرر في الليلة التالية أيضا.

استيقظ منصور من نومه وقرر السفر إلى البلاد الواسعة كما أخبره الشيخ الوقور في حلمه. قام بجمع كل أمواله وبيع كل ممتلكاته. ثم قام بتجميع 1000 قطعة من الذهب ووضعها في جرة مناسبة وغطاها بالزيتون. أعطاها لتاجر أمين في بغداد يدعى أبو المحاسن ليحتفظ بها حتى يعود منصور. سأله أبو المحاسن عن وجهته وعن سبب تركه لتجارته والنجاح الذي حققه. رد منصور قائلا إنه ذاهب إلى بلاد الله الواسعة ويريد ترك الأمانة حتى يعود.

وافق أبو المحاسن على أن يترك جرة منصور وأعطاه مفتاح الغرفة التي سيتم وضع الجرة فيها. وقال لمنصور: ضع الجرة في المكان الذي تريده. ففتح منصور الغرفة ووضع الجرة فيها، ثم سلم المفتاح لأبي المحاسن وعاد إلى بيته. وجهز منصور جملا ووضع عليه أمتعة السفر وأجود وأفخم الأقمشة، ليتمكن من بيعها في بلاد الله الواسعة، كما رآه في المنام.

زار منصور دمشق وأعجبته المناظر الجميلة والحدائق الرائعة والشوارع الجذابة، وتعجب أيضا من المنازل والقصور في المدينة. بعد ذلك، قام منصور ببيع الأقمشة التي جلبها وحقق أرباحا كبيرة من تجارته. ثم قام بشراء بضاعة أخرى وكسب منها، وهكذا، توسعت تجارته بسبب صدقه وأمانته وسمعته الطيبة وتعامله اللطيف.

منصور غاب في بلاد الشام لعدة سنوات، وفي يوم من الأيام جلس أبو المحاسن وزوجته على العشاء وأكلوا الزيتون، وتذكر أبو المحاسن صديقه منصور، فقال لزوجته إن منصور غاب على جرته لفترة طويلة ولم يأت ليطمئن عليها، والزيتون الموجود في الجرة قد يتلف، فماذا لو أخذنا من الزيتون الموجود في الجرة؟ لكن زوجة أبو المحاسن رفضت ذلك وقالت له إنه لا يجوز فعل ذلك، فرد عليها أبو المحاسن بأنه سيقوم بدفع ثمن الزيتون الذي أخذه.

هذا، وقد رفضت زوجة أبي المحاسن عدة مرات، وقالت له أن الجرة أمانة لا يصح فتحها، وقد أوصى الله سبحانه وتعالى بأن نؤدي الأمانة إلى أصحابها كاملة، ولكن غلب الطمع على أبو المحاسن، ولم ينصت إلى كلام زوجته، وذهب إلى الغرف، وفتح الجرة، فلاحظ ثقل حجمها، فاندهش وقام بتفريغ الجرة، فوجد العديد من القطع الذهبية التي قام بعدها وعلم بأنها ألف قطعة..

ثم أخذ أبو المحاسن جميع القطع الذهبية وذهب إلى السوق واشترى كمية كبيرة من الزيتون، ووضعها في الجرة بدلا من النقود، وتركها كما هي في الغرفة.

بعد انقضاء خمس سنوات من رحيل التاجر منصور عن بغداد، شعر بالحنين لبلده وأهله. كان يعمل بجد في دمشق والشام وكان مخلصا وملتزما، مما أدى إلى تحقيق نجاح كبير. عاد إلى بغداد بشوق لها ولأهله وأصدقائه ولأمواله التي تركها مع صديقه أبي المحاسن.

ذهب التاجر منصور إلى الشيخ أبي المحاسن وبعد التحية، طلب من الشيخ أبي المحاسن أن يعيده له الجرة التي تركها في الغرفة كأمانة. أعطى أبو المحاسن المفتاح للشيخ منصور وقال له: افتح الغرفة وستجد الأمانة كما هي منذ رحيلك.

فرح التاجر منصور وشكر صديقه الشيخ أبو المحاسن، وأخذ الجرة وذهب بها إلى بيته، وعندما فتحها فوجئ بعدم وجود القطع الذهبية بها. فعاد إلى الشيخ أبو المحاسن وقال له: ربما تكون في ضيقة وأخذت القطع الذهبية مؤقتا، فعندما تتحسن ظروفك المالية، أعد لي الأموال. نحن أصدقاء ولا يوجد مشكلة في ذلك. ولكن أبو المحاسن قال للتاجر منصور: إنك وضعت عندي زيتونا ووضعت الجرة بنفسك في الغرفة، وأخذت الجرة مع زيتونها. فما الذي تتحدث عنه بالنقود؟.

فغضب التاجر منصور وقال لصديقه الشيخ أبو المحاسن، يا صديقي تركت عندك كل ما أملك أمانة، وكان يوم بالجرة 100 قطعة من الذهب، فإذا لم ترد نقودي سأشكيك للقاضي، وإذا لم يرد القاضي حق سأشكيك للخليفة ذاته..

وقد توجه التاجر منصور إلى القاضي ليشكو صديقه الذي استولى على أمواله، وسأل القاضي الشيخ أبو المحاسن إذا كان قد استولى على النقود أو القطع الذهبية التي كانت موجودة في جرة التاجر منصور التي وضعها عندك كوديعة، وأقسم أبو المحاسن بأنه لم يأخذ شيئا وأن الجرة كانت تحتوي على زيتون فقط، وأخذها التاجر منصور بعد عودته من السفر، ثم سأل القاضي التاجر منصور إذا كان قد وضع قطع ذهبية في الجرة؟ فأجاب التاجر منصور بأنه قد وضع القطع الذهبية تحت الزيتون، لكنه لم يخبر أحدا بهذا السر، فنظر القاضي إلى التاجر منصور الذي كان يعاني وقال له، قد أقسم أبو المحاسن بأنه لم يأخذ منك سوى الزيتون، وقد فكرت بنفسك بأنه لا يعلم أحد غيرك بسر القطع الذهبية، وهذا خطأ منك، لأنه ليس هناك أي دليل يدعم ما قلته، ولا يمكنني حل هذه المسألة.

ذهب منصور إلى الخليفة وهو حزين وباكي، وأخبره بكل ما حدث، وقد سمع القصة أيضا من أبو المحاسن. ثم أمضى الخليفة وقتا طويلا يفكر في كلام كل من التاجر منصور والشيخ أبو المحاسن. وبعد أن فكر قليلا، وجد أن كلام التاجر منصور صحيح، لأن الزيتون يفسد بعد سنتين أو ثلاثة على الأكثر، وعاد التاجر منصور بعد خمس سنوات، والزيتون لم يفسد بعد، وبالإضافة إلى ذلك، قام الخليفة بالاستعانة بأهم تجار الزيتون ليعرف إن كان الزيتون الموجود في الجرة قديما أم جديدا، وأجاب تجار الزيتون بأن هذا الزيتون جديد وليس قديما.

وفي النهاية، فقد فرض الخليفة عقوبة على الشيخ أبو المحاسن بسبب خيانته للأمانة، وأعاد حق التاجر منصور .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى