موضوع عن القاضي اياس

نتحدث معك، عزيزي القارئ، عن القاضي إياس بن معاوية بن قرة المزني، والذي يعتبر أذكى قاض في التاريخ. ولد في السنة السادسة والأربعين للهجرة في نجد، بالتحديد في منطقة اليمامة. اشتهر بالفصاحة والدهاء والذكاء الفائق، وكان يقال عنه الأمثال في ذلك.

انتقل هو وعائلته إلى منطقة البصيرة، وترعرع وتعلم فيها، وكان يتردد على دمشق في شبابه. استفاد من العلم الذي كان قد تلقاه من بقايا الصحابة والتابعين لهم، ورحل عن هذه الدنيا في عام 122 هجريا عن عمر يبلغ 76 عاما، وهو نفس عمر وفاة والده.

وهناك العديد من الحالات التي مر بها القاضي إياس، والتي تشير إلى ذكاءه منذ صغره وقوة عقله وتعلمه الكثير من العلم، حتى وصل إلى مرتبة الشيوخ وأصبح موثوقا به ومطيعا له، وتولى منصب القاضي وتوجه إليه الناس من كل مكان ليتحدثوا معه عن مشاكلهم وبعض المسائل التي تواجههم في الدين والعلم.

موضوع عن القاضي اياس و أمثلة على ذكائه

الموقف الأول

في إحدى المرات، زار عبد الملك بن مروان البصرة قبل أن يصبح خليفة ورأى الشاب إياس يصلي كإمام ولا يزال شاربه لم ينمو بعد، وكانت خلفه أربعة من القراء الذين يحملون لحى، فاستغرب وانزعج من هذا الأمر وقال: كيف يكون هناك شيوخ يتقدمهم شاب؟ فطلب أن يحضروا لهذا الشاب ليتحدث معه، وسأله عبد الملك عن عمره بطريقة مستهزئة، فرد الشاب بذكاء وقال إن عمره مثل عمر أسامة بن زيد عندما ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم قيادة جيش يضم سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا أبو بكر الصديق، ففهم عبد الملك الأمر وأدرك ذكاء الشاب وطلب منه أن يتقدم وقال: “أي علمك وماذا قدمت، بارك الله فيك.

الموقف الثاني

يقال أن هناك رجلا في الكوفة كان يدعي الصلاح والتقوى، والورع أمام الناس، حتى أصبحوا يمدحونه، ويتذكرون أنه أمين، فكانوا يثقون به في ممتلكاتهم الخاصة؛ عندما يسافرون، والبعض منهم يستعين به لتوصية أبنائهم، إذا شعروا بقدوم الموت.

ثم جاء أحد الرجال واستودع عنده الأموال، وعندما احتاج ذلك الرجل إلى نقوده طلبها منه، فنكر أنه أخذ أي شيء منه، فذهب صاحب المال إلى القاضي إياس واشتكى هذا الرجل الغير أمين.

طلب القاضي إياس من المشتكي أن يذهب للرجل ويخبره أنه سيقدم شكوى ضده للقاضي، ووافق المشتكي وطلب إياس منه الذهاب والمجيء في اليوم التالي.

ثم ذهب القاضي إلى هذا الرجل الذي يحظى بثقة الناس، وقال له أن لديه أموال كثيرة ليتم التكفل بها للأيتام، وقد سمع أن الناس يودعون الأموال لديه، وسأله إذا كان المنزل الخاص به واسعا وآمنا، فأجابه بنعم.

طلب إياس منه أن يأتي إليه في اليوم التالي ويجهز مكانا للأموال ويحضر رجالا لنقل النقود، فوافق على ذلك وغادر.

في اليوم التالي، جاء المشتكي وقال له: اذهب إلى شريكك واطلب أموالك، وإذا أنكر، قل له إنك ستشكوه للقاضي. ذهب المشتكي إلى شريكه وامتنع هذا الأخير في البداية عن إعطائه النقود. وعندما سمع الرجل المشتكي أنه سيقدم شكوى إلى القاضي، أعاد له الأموال وأصبح راضيا.

ثم عاد المشتكي إلى إلياس، وشكره على استعادة حقه وأمواله.

ثم جاء رجل آخر، ومعه حمالون لأخذ المال، فانتقده القاضي بشدة وعاقبه، وقال له إنه عدو الله؛ لأنه جعل الدين فخا للدنيا وما فيها.

الموقف الثالث

مر يوما بإحدى الأماكن وسمع صوت كلب غريب، فسأله الناس كيف عرفت أنه ليس من هنا وأنه غريب، فأجاب بأن صوته متواضع ونباحه قوي مختلف عن باقي الكلاب، وبالفعل اكتشف أن هذا الكلب الغريب مربوط ويتعرض لنباح من الكلاب الأخرى.

الموقف الرابع

في أحد الأيام كان في البراري وكان بحاجة إلى ماء لنفسه ولمن معه، فسمع نباح الكلب، فأخبره أن هناك بئر، فعندما توقف نباح الكلب، وجدوا البئر فعلا، فقال أن الصوت الذي سمعه كان مشابها لصوت الماء الخارج من البئر.

وكان لديه العديد من الوقائع الأخرى التي تشهد على ذكائه البارز وسلوكه الحسن في الأمور وقدرته على حل المشاكل.