بحث عن النقائض
تتباين الأصناف الأدبية وفقا للأغراض؛ لذلك تقدم الموسوعة بحثا عن النقائض؛ فالعرب في الأزمنة القديمة كانوا أهلا للغة والبيان، فاللغة العربية كانت لهم طبيعية وفطرية، فالطفل ينمو في بيئة تتحدث بها اللغة العربية الفصحى، فيتحدث مثلهم، وتتوارث هذه اللغة عبر الأجيال المختلفة، ومن خلال ذلك كانت هناك أنماط أدبية متعددة، ولكن الشعر كان هو الأكثر شهرة بين هذه الأنماط؛ بسبب سهولة حفظه مقارنة بباقي الأنماط الأدبية، وكان للشعر أيضا أهداف متعددة، ومن أهم هذه الأهداف شعر النقائض، فقد احتل هذا النمط حيزا كبيرا من أشعار الشعراء، وأكثر من اشتهر في هذا النمط الأدبي (جرير والفرزدق)، لذا هيا بنا نسارع لمعرفة هذا النمط الذي انشغل به الشعراء والنقاد.
بحث عن النقائض
تعريف النقائض
النقائض هي نوع من الأشعار، وهي قصائد هجائية اشتهرت في العصر الأموي بين الشعراء جرير والفرزدق. تعتبر النقائض واحدة من أهم أشكال الشعر، حيث تحتوي على حكم وعبر مهمة.
نبذة عن جرير والفرزدق
الفرزدق هو همام بن غالب التميمي، يلقب بالفرزدق بسبب حجم وجهه الكبير، وقد أشاد النقاد بشعر الفرزدق قائلين لو لم يكن شعر الفرزدق لضاع ثلث شعر العرب. وهذا يدل على كثرة شعر الفرزدق وشهرته. أما جرير، فهو أبو حرزة بن عطية التميمي، وكان جرير شاعرا عظيما، حتى يروى أنه هزم ثمانين شاعرا. وهذا يدل على جودة شعر جرير وفخامة لفظه وجودة تراكيبه اللغوية وشرف معانيه.
وقيل أيضًا: جرير والفرزدق كانا صديقين مقربين على الرغم من قصائدهما المهاجمة لبعضهما البعض، ويقال أنهما شوهدا يتجولان معا في الأسواق، ولم يتمكن جرير من هزيمة الأخطل أو الفرزدق بعد هزيمته للشعراء.
تأثر الحياة الأدبية بعوامل البيئة
في الحقيقة، الحياة الأدبية والحياة العملية لا يمكن فصلهما عن بعض؛ فالحياة الأدبية ترتبط ارتباطا وثيقا بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الموجودة؛ وهذا يتجلى في الأنماط الشعرية، فقد يقول النقاد: إذا أردت أن تفهم حقيقة الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية في فترة زمنية معينة أو في عصر معين؛ فعليك قراءة شعر هذه الفترة؛ فسوف تجد فيه كل ما تحتاجه، وتتأثر هذه الحيوات المختلفة بطبيعة الوضع بتطور وتقدم الأشكال الأدبية.
الأحوال السياسية في العصر الأموي
فالشعر هو مجرد صورة تروي حالات الأمم وأحداثها وإنجازاتها وجوانبها المختلفة، ونظرا لأن العصر الأموي كان من أكثر العصور التي تميزت بالصراعات والاختلافات سواء في العقيدة أو في تناقض الأفكار.
في عصر الخلافة الأموية، كان هناك العديد من الأحزاب السياسية التي لعبت دورا هاما في الصراعات بين فئات تلك الأحزاب، ولكل حزب من هذه الأحزاب كان لديه شعراء يدافعون عنه من هجمات شعراء الأحزاب الأخرى، وكان من واجب هؤلاء الشعراء مدح حزبهم الانتمائي، وأيضا هجوم وتشويه الأحزاب الأخرى، ليبرز تفوق حزبهم على الآخرين؛ مما يجذب لهؤلاء الحزب العديد من المؤيدين، وعن طريق هذا التأييد يستطيعون السيطرة على شؤون الدولة وجعلها تحت سيطرتهم.
بالإضافة إلى الخلاف بين بني أمية وبني العباس حول من يستحق الخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث يرى كل طرف منهما نفسه الأحق بالخلافة؛ ظهرت خلافات واسعة بين هاتين الجماعتين؛ وتروي جميع كتب السير والأدب واقعة الاحتكام بينهما.
نموذج من شعر هجاء جرير للفرزدق
قال جرير في هجائه للفرزدق: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعًا أبشر بطول سلامةٍ يامربع
والمعنى: جرير ينتقد ويتنمر على الفرزدق، ويقول (يدعي الفرزدق أن…)، وفي هذا المقام، رجال هذا الفرزدق قد توعد جرير بأنه سيقتله، ففي هذا السياق، يعرض جرير الفرزدق ويقول أنه ليس لديه الشجاعة الكافية لقتل رجل، ولهذا قال (يدعي)، وذلك للإشارة إلى أن هذا الزعم الذي قدمه الفرزدق لن يستطيع تحقيقه.
ومن الأمور التي تؤكد ذلك هو الشطر الثاني من البيت (ابشر بالسلامة يا مربع)، فالشاعر يبشر المربع الذي توعده الفرزدق بالقتل بالبقاء في سلامة تامة، وبالأمان الكامل؛ لأن أم الفرزدق لن تكون قادرة على فعل ذلك معه، وفي هذا الشطر يتعرض أيضا للفرزدق وعدم شجاعته.
نموذج من شعر هجاء الفرزدق لجرير
قال الفرزدق هاجيًا جرير: يا صاحبي دنا الرواح فسيرا غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
فهنا الفرزدق يخاطب صاحبه( وهذا يُسمى عند البلاغيين تجريدًا: أنه يجب أن يستبعد الخيال شخص آخر يتحدث إليه كصاحبه
يقول الفرزدق لصديقه: اذهب وافعل ما تشاء، لأن الروح قد غادرت والفرزدق قد تفوق على جرير. وهذا يعكس تمجيد الفرزدق لنفسه عبر هزيمته لجرير.
خصائص شعر النقائض
يتميز شعر النقائض عن غيره من الأشعار بكثرة المدح والهجاء؛ حيث يقوم الشاعر بمدح نفسه أو قبيلته أو من يهمه أمره، ثم يقوم بالهجو والذم للفئة المعادية للشخص أو القبيلة.
فيها تكثر المعاني التي استخدمها الجاهليون في شعرهم لكي يتغلبوا على من يناقضهم.
اختلف الشاعران جرير والفرزدق في أسلوب كل منهما في استخدام التناقضات؛ حيث يخاطب الأول الجماعة والثاني يخاطب الأفراد، ويكون خطابه مباشر .