الفلسفةالناس و المجتمع

هل الإنسان حر أم مقيد مقالة جدلية ؟

هل الإنسان حر أم مقيد مقالة جدلية ؟

يعد هذا السؤال واحدا من أشهر الأسئلة التي طرحت من قبل المفسرين والفلاسفة منذ القدم، وكانت الإجابات دائما متغايرة من جيل لآخر، فهناك من يؤمن بحرية الإنسان في تحديد مصيره، وآخرون يعتقدون أن الإنسان مقيد في هذا الكون الواسع، وهناك فريق ثالث يشير إلى أن حرية الإنسان مقيدة في ذاتها، ولكن ذلك لا ينفي وجودها، وسنعرض لكم بعضا من تلك الآراء وسنترك لكم حرية الاختيار بين هذه الآراء المختلفة، وقبل أن نبدأ في عرض الآراء، يجب علينا أن نعرض مفهوم الحرية في الأساس، فما هي الحرية؟ والإجابة هي كالتالي.

ما هي الحرية ؟

وافق الفلاسفة والعلماء في العصر الحديث على تحديد مفهوم خاص للحرية، ووصفوها بأنها القدرة الفردية في حد ذاتها، وأن الحرية يجب أن تسمح للشخص باتخاذ القرار أو اختيار الخيار من بين العديد من البدائل المتاحة دون أي إكراه أو شرط أو ضغط خارجي، وتشمل هذه المعنى أيضا تحرير الإنسان من القيود التي تعيق قدراته وإبداعه، سواء كانت تلك القيود مادية أو معنوية، وهي تتعارض تماما مع العبودية بجميع أشكالها، والتخلص من الضغوط التي يفرضها الآخرون لتنفيذ هدف ما.

الرأي القائل بأن الإنسان مسير وليس مخير

يرى الجبريين أن الإنسان يسير في كل أفعاله، وليس له أي حرية في اختيار أي فعل يقوم به، وأن الإنسان خلق لتنفيذ إرادة الله فيه فقط، فإذا كتب الله عليه أن يعذب ويلقى به في جهنم، فإنه سيصل إلى هذا الحال دون أي إرادة منه، والعكس صحيح، إذا أراد الله أن ينعم الإنسان في جنة الخلد فسيجعله يقوم بالأعمال الحسنة والصالحة التي توجهه إلى الصواب وتنقذه من جهنم، ويستندون في رأيهم إلى قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (رفعت الأقلام وجفت الصحف) (حديث صحيح)

إذا كان الله يجبر الإنسان على كل فعل يقوم به، فلماذا سيحاسبه؟ وإذا كان هذا هو التصور، فإن المولى – عز وجل – سيكون ظالما لخلقه، وهذا أمر لا يمكن أن يكون صحيحا، فالله حرم على نفسه أن يكون ظالما وجعل ذلك حراما علينا أيضا. وعند النظر في هذا الأمر، يجب أن ننظر إلى التداعيات التي يمكن أن تحدث بسبب هذا الرأي، فقد نرى أشخاصا يرتكبون جرائم قتل وعندما يتم محاكمتهم يقولون إن الله خلقهم ليكونوا سارقين أو قتلة أو يقومون بأعمال غير أخلاقية. وهذا هو انعكاس على أنفسهم، فمثلما يتحملون الآثام والذنوب التي ارتكبوها، يجب أن يتحملوا العواقب أيضا.

أما استشهادهم بالحديث فقد يكون جملة مختصرة من حديث طويل، ويعني أن الله لم يسجل لنا أفعالنا قبل أن نولد ليتحكم فينا، ولكن بناء على علمه بأفعالنا واختياراتنا التي سنقوم بها، فهي من وجهة نظر أن الله يعلم الأسرار، وليس أن الله يتحكم فينا بما كتبه علينا، فعلى سبيل المثال – ولله المثل الأعلى- قد يقف الوالد أمام ولده ويخيره بين أمرين، وهو متأكد تماما من أي اختيار سيقوم به ابنه، فإن هذا لا يتحكم فيه الأب وإنما يعرف ما يدور في ذهن ابنه وما سيختاره.

الرأي القائل بأن الإنسان مخير وليس مسير

المعتزلة يرون أن أفعال العباد ليست من خلق الله، بما أن الله يحب الإيمان ولا يرضى بالفساد والكفر من عباده، وبناء على ذلك، فكل الأعمال السيئة والمعاصي في الوجود تحدث بدون مشيئة الله وإرادته وتعارض أوامره – الذي هو متعال. الإنسان حر بحرية كاملة في اختيار أفعاله، وهذه الحرية ستحاسب في الآخرة، فمن يسلك طريق الصالحين ينجو، ومن يسلك طريق الفاسدين يهلك، وكلاهما اختار المسار بإرادته، ولكن من يهلك جاء بشيء لم يأت به الله فإنه يفسد في الأرض، وفعله يتعارض مع إرادة الله، وهذا تنزيه للمولى – عز وجل – من كل شر.

مستدلين على كلامهم بقوله- تعالى-: يظهر الفساد في البر والبحر بسبب ما اكتسبته أيدي الناس، لكي يتذوقوا بعضا مما عملوه، عسى أن يتوبوا (سورة الروم، الآية 41)

في هذا الرأي، يجب أن نسأل إن كان هناك شيء خارج عن إرادة الله. هل يمكن أن يحدث شيء في الكون بدون أن يرغب الله في حدوثه؟ ويمكن أن يكون الجواب على هذا السؤال هو أن الله هو من يسبب الفساد ويجعله ظاهرا وموجودا بسبب أفعال الإنسان الشريرة. فالإنسان هو السبب وليس الله، وإذا كان الإنسان قادرا على إحداث شيء لم يرده الله، فإن الله لن يقبل فرضه في الوجود.

هل منا من يقبل الموت؟ ونحن نعلم تماما أنه لا يوجد أي كائن ينجو منه، أليس من الممكن بقدرتنا وبدون إرادة إلهية أن نجد طريقة للخلود أو للابتعاد عن الحساب في يوم القيامة؟ كل هذه قوانين وسنن فرضت علينا من قبل الله، وليس لدينا سوى الامتثال لأوامره لنتجنب الهلاك في النار.

الرأي القائل بأن الإنسان لديه حرية مقيدة

يعتقد أصحاب هذا الرأي أن للإنسان حرية في اختيار بعض الأفعال، ولكنه ليس له حق في اختيار الآخرين، وأن حرية الإنسان المسموح بها تنتهي عندما تتعارض مع حقوق الآخرين، ويستندون في هذا الرأي إلى قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم –

(مثل الشخص الذي يعيش على حدود الله ويختلف فيها، مثل قوم استقروا على سفينة، فبعضهم كان في الجزء العلوي منها وبعضهم في الجزء السفلي، وعندما يستقوي الذين في الجزء السفلي من الماء، يمرون فوق الذين في الجزء العلوي، فيقولون: لو كنا نحفر في نصيبنا فقط دون أن نؤذي من فوقنا، فإنهم إذا تركوهم ولم يرغبوا فيهم، فإنهم سيهلكون جميعا، وإذا أمسكوا بأياديهم، فإنهم سينجون، وسينجون جميعا) (حديث صحيح)

يتم وصف الأشخاص في الجزء السفلى بأنهم يستغلون حريتهم في إحداث ثقب في السفينة للشرب، وهذا يعد من حقوقهم الحرة، ولكن إذا تركوا لتنفيذ ما يريدونه بحرية تامة، سيضررون السفينة بأكملها وسيغرقون الجميع، وهذا يعتبر خرقا لحقوق الآخرين في الحياة.

تأتي هنا العبارة الشهيرة في المجتمعات العربية “أنت حر ما لم تضر”. هل هذه العبارة صحيحة؟ أعرب الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بمشيخة الأزهر، عن رأيه في هذه العبارة وأوضح أن هذا الرأي غير صحيح. ويرجع ذلك إلى أن الإنسان ليس حرا كما يعتقد، فالله خلق ضوابط ومنهجا محددا لهذه الحرية، التي يجب على الإنسان أن يعيش حياته وفقا لها. وأكد أيضا أن قمة الحرية تكون في العبودية لله – عز وجل – ففي العبودية لله يكون للإنسان حرية من الشهوات الدنيوية.

الحرية في الإسلام

الدين الإسلامي يمنحنا حرية مقيدة، ولكن هناك قيود تفرض علينا للحفاظ على حريتنا ككل. يحق للإنسان أن يختار شريك حياته وعمله والعديد من الأشياء التي تؤثر في سلوكه وأسلوب حياته. ومع ذلك، فإنه غير مخور بتنفيذ أوامر الله ونواهيه، ولو كان بإمكانه comitting المحرمات والخطايا، إلا إذا كان على علم بنهاية ذلك، فلن يفعلها. لهذا السبب تأتي القيود التي تفرض على حرية المسلم، وتتمثل تلك القيود فيما يلي.

1- القيود الدينية

لخصها لنا القرآن الكريم في قوله- تعالى-: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولياء الأمر منكم ۖ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ۚ ذلك خير وأحسن تأويلا) (سورة النساء الآية 59) وتلك القيود تحرر الإنسان من أن تتحكم فيه شهواته، وأن يعمل لخير آخرته ودنياه.

2- القيود المجتمعية

تتمثل هذه القيود في العادات والتقاليد المختلفة في كل مجتمع. هناك قيود اجتماعية في المجتمعات العربية لا تؤثر في المجتمعات الغربية. وهناك أمثلة كثيرة مثل ارتداء الجلباب والغطرة في الخليج خلال المناسبات الرسمية والعائلية، وهذه في الأصل ثقافة وعادة اجتماعية تنص عليها بعض القوانين والدساتير.

3- القيود القانونية

تتمثل هذه القيود في القوانين والدساتير التي وضعتها واعتمدتها الدول، والتي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وتفضيلها، وهذا يدفع المجتمع والدولة بأكملهما للتقدم، وتختلف تلك القوانين من دولة إلى أخرى، فالقانون المصري يشابه العديد من القوانين السعودية، ولكن القانون السعودي يختلف عنه في العديد من المجالات أيضا، ويعود ذلك إلى القيد الثالث الذي سنناقشه فيما يلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى