الدين و الروحانياتالناس و المجتمع

من هم المفردون

من هم المفردون

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في الطريق المؤدي إلى مكة، وعندما مر على جبل يسمى جمدان، قال: “سيروا هذا جمدان سبق المفردون سبق المفردون”. فسألوه: يا رسول الله، ما المفردون؟ فأجاب: “الذاكرين الله كثيرا والذاكرات”

  • يذكر في هذا الحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الفضيلة العظيمة لذكر الله سبحانه وتعالى، على الرغم من أنه عبادة سهلة لا تحتاج إلى جهد أو سفر أو أموال، إلا أن الله جعل لها أجرا كثيرا. وفي هذا الحديث، أخبرنا أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمشي في طريق مكة، وعبر على جبل يسمى “جمدان”، وهذا الجبل يمتد من الجنوب إلى الشمال في الحد الغربي لمحافظة خليص التابعة لمنطقة مكة المكرمة، والمسافة بين هذا الجبل ومكة المكرمة حوالي 100 كم.
  • ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه رضوان الله عليهم جميعا بالانطلاق والانطلاق يعني السعي في المشي، قائلا لهم “هذا جمدان”، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد تنبيه أصحابه، “سبق المفردون”، وهذا يعني أن المفردون قد تجاوزوا إخوانهم وتفوقوا على أقرانهم في حالتهم بطمعهم في الوصول إلى القرب من الله -عز وجل- والتطلع إلى المراتب العليا، وذلك لأنهم كانوا يذكرون الله في حالة عدم ذكره من الآخرين، ولها معنى آخر وهو أنهم كانوا يذكرون الله وحده ويتركون ذكر غيره.
  • سأل الأصحاب بعدما قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا “ما المفردون يا رسول الله؟”، فأجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بإجابة تدعونا للتأمل فيها، وتجعلنا نركز عليها بشكل خاص في هذه الأيام المباركة التي منحنا الله إياها، وهي العشرة الأولى من شهر ذي الحجة، لكي نقيس الأمور بالمعيار الحق الذي لا تحول ولا تغير فيه، وكانت إجابته -صلى الله عليه وسلم- “الذاكرون الله كثيرا والذاكرات”، أي أن ذكر الله كثيرا هو الفرد الحقيقي الذي يجب أن نتبناه في أغلب الأوقات، فسبحان الله، يبدو أن الأصحاب -رضي الله عنهم- سألوا هذا السؤال ليعرفوا صفة المفردين ليقتدوا بهم ويتقدموا كما تقدموا ويطلعوا على ما طلعوا عليه.
  • أمر الله المؤمنين بكثرة ذكره، ويتجلى ذلك في قوله: “يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا”، وقيل إن حكمة قول النبي صلى الله عليه وسلم “هذا جمدان” قبل قوله “سبق المفردون” هو أن جمدان هو الجبل الوحيد في هذه المنطقة وهو منفرد بنفسه في مكانه، ولا يوجد جبل آخر بجانبه كأنه متفرد هناك، فشبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالمفردين.

ما هي مراتب الذكر

اعلم رحمني الله وإياك بأن للذكر ثلاثة مراتب، الأدنى منها الذكر باللسان دون القلب، والأوسط الذكر بالقلب دون اللسان، والأعلى وهو ما يطمح إليه كل المسلمين هو الذكر باللسان والقلب، وفي الأسطر القادمة سأوضح قليلا عن كل مرتبة من مراتب الذكر.

ذكر الله باللسان دون القلب

هناك بعض الأشخاص الذين يذكرون الله -عز وجل- أثناء المشي أو في العمل، أو في المواصلات. يقولون تعظيم الله وشكره وإلهه الوحيد هو الله العظيم. ومع ذلك، بدون أن يدركوا عظمة هذا الذكر العظيم الذي يتمتعون به. فإن هذا الذكر العظيم هو ما أوصى به أبونا إبراهيم خليل الله النبي عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم. فقد روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر” [صحيح الترمذي، حديث حسن].

من يذكر الله بهذه الطريقة سيتم مكافأته إن شاء الله، ولكنها تعتبر أدنى درجات الذكر.

ذكر الله بالقلب دون اللسان

هذا النوع من الذكر يأتي في المرتبة الوسطى في الفضل، حيث لا يذكر الله بلسانه ولكنه يستشعر معيته ويتذكر ربه دائما، فقلبه يخاف من الله ويرجوه ويستعين به ويتوكل عليه، ولكنه لا يذكر الله سبحانه بلسانه. قال الإمام إبن القيم الجوزية رحمه الله: “ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا منها فثمرته ضعيفة

ذكر الله باللسان والقلب

هو ما يحدث عندما يكون اللسان والقلب واحدا، فعندما يذكر المسلم الله بلسانه، يشعر بمعنى الذكر في قلبه ويشعر بعظمة الله سبحانه وتعالى. وهناك الكثير من الآيات والأحاديث التي تشير إلى رحمة الله الواسعة للتائبين وعقابه للمذنبين. فعندما يقول المسلم “استغفر الله”، يشعر بالخطأ والذل والانكسار أمام الله بسبب الذنوب والمعاصي التي ارتكبها، ويأمل من الله الرحمة والمغفرة، والله هو الغفور الرحيم الذي لا يرد تائبا عائدا منكسرا ذليلا صادقا في عودته. هو القائل “غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو، إليه المصير” وغيرها من الآيات والأحاديث.

ما هي أنواع الذكر

تنقسم الأذكار إلى نوعين:

الأذكار المقيدة

هذه هي الأذكار المقيدة التي ينبغي أن يتلقاها المسلم في مواقف معينة أو في أماكن محددة، ويجب أن لا يتغير في ألفاظها إلا بنص شرعي من الكتاب أو السنة، على سبيل المثال، عند دخول الخلاء يجب على المسلم أن يقول: “اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث” لكي لا يتعرض لشر الشيطان، فالخلاء هو مكان للشر والأذى، حيث ينتظر الشيطان من المسلم الضعف والنسيان والغفلة عن ذكر الله، ليوسوس له بالأمور السيئة التي تؤثر على حياته في الدنيا والآخرة. ومن أمثلة الأذكار المقيدة التي يجب على المسلم أن يحافظ عليها دائما ما يلي:

  • أذكار الصباح و أذكار المساء، قال تعالى: {اذكر ربك كثيرا وسبح بالعشاء والإبكار} [مريم – 41]
  • دخول الخلاء “عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كان الرسول الكريم عندما يدخل الحمام يقول: “اللهم إني أعوذ بك من الأذى والأذواء”.
  • قبل الطعام “قال النبي ﷺ لـعمر بن أبي سلمة: بسم الله، وكل بيمينك وكل ما يليك” [رواه البخاري]، وبعد الطعام “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى من طعامه يقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين” [رواه أبو سعيد الخدري، حديث حسن على قول ابن حجر العسقلاني]

وغيرها الكثير من الأذكار وهناك العديد من الكتب التي تذكر هذه الأذكار مجتمعة مع بعضها البعض، ومن أفضل هذه الكتب كتيب حصن المسلم.

الأذكار المطلقة

الأذكار المطلقة هي الأذكار التي لا تقتصر على وقت محدد، مثل “لا حول ولا قوة إلا بالله، الله أكبر، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، لا إله إلا الله”، وغيرها من الأذكار التي وعد الله بأجر عظيم وحياة سعيدة في الدنيا والآخرة. تأمل قوله تعالى “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى” [طه- 124]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى